منير صليب انتصر للخبز وتحدى السادات.. أحكام قضائية هزت عرش رؤساء مصر

مخطئ من يظن أن القضاء المصري مسيس أو أنه غير مستقل عن السلطة التنفيذية، فلطالما كانت عبارة “القضاء الشامخ”، المعبر الحقيقي عن قضاء مصر، ولو أن هناك بعض الاستثناءات غير المقبولة حاليا فإنها سحابة سوداء على تاريخ القضاء، وفي هذا التقرير نورد أبرز الأحكام القضائية ومواقف القضاة التي تحدت السلطة وانتصرت للشعب وللحق..

حكيم منير صليب

هو أحد أبطال “انتفاضة الخبز” التي اندلعت يومي 18 و19 يناير من عام 1977 احتجاجا على رفع أسعار 30 سلعة بينها السلع الأساسية.

جلس القاضي الجليل ينظر إلى القضية المتهم فيها 176 متهمًا بـ”قلب نظام الحكم”، وتزامن مع تلك الفترة تظاهرات ضد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، وتوقع النظام أن تصدر أحكاما ضد المتهمين، بينما قال المستشار حكيم منير صليب في حيثيات الحكم” والذي لا شك فيه وتؤمن به هذه المحكمة ويطمئن إليه ضميرها ووجدانها، أن تلك الأحداث الجسام التي وقعت يومي 18 و 19 يناير 1977 كان سببها المباشر والوحيد هو إصدار القرارات الاقتصادية برفع الأسعار، فهي متصلة بتلك القرارات اتصال المعلول بالعلة والنتيجة بالأسباب، ولا يمكن في مجال العقل والمنطق أن ترد تلك الأحداث إلى سبب آخر غير تلك القرارات، فلقد أصدرت على غير توقع من أحد، وفوجئ بها الناس جميعا بمن فيهم رجال الأمن، فكيف يمكن في حكم العقل أن يستطيع أحد أن يتنبأ بها ثم يضع خطة لاستغلالها ثم ينزل إلي الشارع للناس محرضًا ومهيجًا.

وهاجم “صليب” النظام قائلا: إن المحكمة وهي تتصدي لتلك الأحداث بالبحث والاستقصاء لعلها تستكشف عللها وأسبابها وحقيقة أمرها، لابد أن تذكر في البداية أن هناك معاناة اقتصادية كانت تأخذ بخناق الأمة المصرية في ذلك الحين وكانت هذه المعاناة تمتد لتشمل مجمل نواحي الحياة والضروريات الأساسية للإنسان المصري، فكان المصريون يلاقون العنت وهم يحاولون الحصول علي طعامهم وشرابهم، ويجابهون الصعاب وهم يواجهون صعودًا مستمرًا في الأسعار مع ثبات في مقدار الدخول، ثم إن المعاناة كانت تختلط بحياتهم اليومية وتمتزج بها امتزاجا، فهم مرهقون مكدودون في تنقلهم من مكان لآخر بسبب أزمة وسائل النقل، وهم يقاسون كل يوم وكل ساعة وكل لحظة من نقص في الخدمات، وفوق ذلك كان أن استحكمت أزمة الإسكان وتطرق اليأس إلى قلوب الناس والشباب منهم خاصة من الحصول علي مسكن وهو مطلب أساسي تقوم عليه حياتهم وتنعقد آمالهم في بناء أسرة المستقبل.

وزاد قائلا: “وسط هذه المعاناة والصعاب كان يطرق أسماع المصريين أقوال المسئولين والسياسيين من رجال الحكومة في ذلك الوقت تبشرهم بإقبال الرخاء، وتعرض عليهم الحلول الجذرية التي سوف تنهي أزماتهم، وتزين لهم الحياة الرغدة الميسرة المقبلة عليهم، وبينما أولاد هذا الشعب غارقون في بحار الأمل التي تبثها فيهم أجهزة الإعلام صباحًا مساءً، إذ بهم وعلى حين غفلة يفاجأون بقرارات تصدرها الحكومة ترفع بها أسعار عديد من السلع الأساسية التي تمس حياتهم وأقواتهم اليومية”.

وقال: “هكذا دون إعداد أو تمهيد فأي انفعال زلزل قلوب هؤلاء الناس، وأي تناقض رهيب بين الآمال وقد بثت في قلوبهم قبل تلك القرارات، وبين الإحباط الذي أصابهم به صدورها، ومن أين لجل هذا الشعب ومعظمهم محدود الدخل أن يوائموا بين دخول ثابتة وبين أسعار أصيبت بالجنون وإذا بفجوة هائلة تمزق قلوب المصريين ونفوسهم بين الآمال المنهارة والواقع المرير، وكان لهذا الانفعال وذلك التمزق أن يجدا لهما متنفسا وإذا بالأعداد الهائلة من هذا الشعب تخرج مندفعة إلي الطرقات والميادين، وكان هذا الخروج توافقيًا وتلقائيًا محضًا، وإذا بهذه الجموع تتلاحم هادرة زاحفة معلنة سخطها وغضبها على تلك القرارات التي وأدت الرخاء وحطمت الآمال وحاولت جهات الأمن أن تكبح الجماح وتسيطر علي النظام ولكن أني لها هذا والغضب متأجج والآلام مهتاجة”.

المستشار ممتاز نصار

وقفت الدولة ضده في انتخابات نادي القضاة عام 1969، حيث دعم وزير العدل آنذاك القائمة التي تنافسه، لكنه حقق انتصارًا ساحقًا بفوز قائمته بـ12 مقعدًا بنسبة 100% من المقاعد.

ويعد من أهم الشخصيات البرلمانية في تاريخ مصر النيابي، فقد تم اختياره كأفضل نائب في برلمان 1976، ووقف في وجه رؤساء الجمهورية جمال عبدالناصر وأنور السادات ولم يخش أيًا منهما، وكان من بين نشاطه في البرلمان، اقتراحه مع بعض زملائه مشروع يقضي بإلغاء مخصصات أسرتي الرئيسين السابقين جمال عبد الناصر وأنور السادات في كل من القاهرة والإسكندرية حيث إن كلتا الأسرتين أصبحتا في حالة اقتصادية طيبة بما تزول معه أسباب ومبررات هذه المخصصات وهو ما يمكن أن يوفر للدولة ملايين الجنيهات إذا ما تم استغلال هذه المساحات الشاسعة لصالح الاقتصاد القومي.

تم انتخابه عام 1962 رئيسا لنادي القضاة، وشغل كذلك منصب رئيس الهيئة البرلمانية الوفدية بمجلس الشعب، وزعيم المعارضة بالبرلمان، واستمر في منصبه حتى مذبحة القضاة 1969 وظل خلال هذه الفترة خير مدافع عن العدالة واستقلال القضاء، وعقب خروجه من القضاء قرر نصار خوض تجربة العمل السياسي ورشح نفسه لعضوية مجلس الشعب فى دائرة البدارى بأسيوط عام 1976، وفاز في أول معركة انتخابية له وحصل على أفضل نائب فى هذا البرلمان نتيجة نشاطه المكثف تحت قبة البرلمان واستجواباته للحكومة، وخلال هذا البرلمان واجه نصار رئيس الجمهورية وقتها محمد أنور السادات وعارض سياساته واتفاقية السلام «كامب ديفيد» مع إسرائيل.

قرر نصار خوض الانتخابات فى الدورة التالية لحل برلمان 1976 ورغم محاربة الدولة له إلا أنه نجح فى الانتخابات بعد خروج أهالي دائرة البداري بأسيوط بشكل مكثف لانتخابه، وحرسوا الصناديق بأجسادهم حتى تم إعلان فوزه رغم أنف الرئيس والحكومة ووصف بـ «النائب الذي انتصر على الرئيس».

محمد أمين الرافعي

أصدر حكمه التاريخي ببراءة المتهمين من محكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ القاهرة في قضية النيابة العامة رقم 4190 سنة 86 الأزبكية (المقيدة برقم 121 جنايات كلي شمال)، الذي صدر في 16 أبريل 1987، وكانت الدائرة المشكلة برئاسته وعضوية القاضيين “أحمد عبد الوهاب حليمة”، و”محمد منصور عبد الله” المستشارين بمحكمة استئناف القاهرة آنذاك، وذلك في قضية تجريم ممارسة عمال السكك الحديدية لحقهم في الإضراب عن العمل.

وجهت تهمة إلى عمال السكة الحديد بصفتهم موظفين عموميين امتنعوا عمداً عن تأدية واجبات وظيفتهم بأن امتنعوا عن قيادة قطارات السكك الحديدية المنوط بهم قيادتها متفقين على ذلك ومستغلين تحقيق غرض مشترك هو الضغط على الحكومة للاستجابة لمطالبهم المالية وكان من شأن ذلك أن يحدث اضطرابا وأضرارًا بمصالح عامة.

وحكم الرافعي قائلا: المحكمة استقر في وجدانها أن ذلك الإضراب ما كان يحدث من تلك الفئة من العمال – وقد كانت مثالا للالتزام والتضحية – إلا عندما أحست بالتفرقة فى المعاملة والمعاناة عن كاهل فئات الشعب حتى لا يستفحل الداء ويعز الدواء،
وحيث أنه بالبناء على ما تقدم فإن التهم المسندة إلى المتهمين جميعا تكون قد تخاذلت في أساسها القانوني والواقعي وتقوضت لذلك أركانها الأمر الذي يلازمه البراءة، عملا بالمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية.

فلهده الأسباب وبعد الإطلاع على المواد سالفة الذكر حكمة المحكمة حضوريًا ببراءة جميع المتهمين مما أسند إليهم.

المستشار يحيى الرفاعي

هاجم مبارك في أوج بطش نظامه، عندما كان رئيسًا لنادي القضاة عام 1986 في عهد مبارك، حيث كانت من أشهر مواقفه مهاجمة مبارك في حضوره أثناء مؤتمر العدالة الأول عام 1986 بسبب تمديده لقانون الطوارىء لمدة عامين متهمًا إياه بإساءة استغلال السلطة مما فجر أزمة كبيرة بين مبارك ونادي القضاة.

هو شيخ قضاة مصري، والملقب بـ”الضمير الثائر” بسبب دفاعه عن الحقوق والحريات ومواقفه الثابتة، ولد يحيى الرفاعي عام 1931 بالإسكندرية، وتعلم في مدارسها وتخرج في كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، بعدها التحق بالنيابة العامة، وتدرج في السلك القضائي، حتى شغل أرفع المناصب، كنائب لرئيس محكمة النقض “أعلى المحاكم المصرية”.

أسس “الرفاعي” ما سمى بتيار استقلال القضاء، نتيجة للأفكار التي كان يؤمن بها، ويدافع عنها، وأدت إلى تصادمه مع الرؤساء الثلاثة، بل إنهم داخل القضاء يطلقون على تلاميذه والمؤمنين بأفكاره من القضاة اسم “المدرسة الرفاعية” نسبة إليه.

المستشار عبدالرازق السنهوري

هو واحد من أهم رجال القانون في تاريخ مصر، ولقب بـ”أبو القانون المدني”، ولديه العديد من المؤلفات في مجال القانون والتشريع، شغل منصب رئيس مجلس الدولة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقرر إلغاء قرارات اتخذها عبد الناصر، وطالبه بإعادة الأحزاب وإقامة حياة دستورية سليمة بدلًا من الانفراد بالسلطة، تم اقتحام مكتبه والاعتداء عليه من قبل متظاهرين مؤيدين لعبد الناصر تمهيدًا للإطاحة به و10 آخرين من مجلس الدولة فيما عرف تاريخيًا بمذبحة مجلس الدولة، وكان من المجددين القانونيين والفقهيين في مصر والعالم العربي خلال القرن الماضي.

نهى الزيني ومحمود مكي وهشام البسطويسي

مواقفهم التاريخية بمواجهة تزوير انتخابات مجلس الشعب 2005، وكشف تورط بعض القضاة فيها، أدى إلى تحويل بعضهم إلى مجلس تأديبي بتهمة الخروج على التقاليد القضائية، والإضرار بسمعة القضاء المصري نظرًا لما قدموه من دلائل على التزوير وفضحهم الواقعة في وسائل الإعلام المختلفة، يستدعي أن يظل هؤلاء القضاة ضمن قائمة أكثر القضاة تمسكا بالمبادئ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *