العراق تنقذ مصر “بعد أن تخلصت من العطف السعودي”

خلال أيام سيتم تنفيذ إتفاقية وقعتها الحكومة المصرية مع نظيرتها العراقية في مارس الماضي تنص علي أن يمد العراق مصر بمليون برميل من نفط البصرة الخفيف شهريا، بشروط ميسرة في الدفع،

ومن الواضح أنه جرى تسريع تنفيذ الإتفاقية، بعد أزمة وقف شركة أرامكوالسعودية، شحنات الغاز التي تبيعها لمصر من شهر أكتوبر، على خلفية تصاعد الخلافات بين القاهرة والرياض بسبب تصويت مصر على مشروع قانون روسي في مجلس الأمن متعلق بالأوضاع في سوريا، التي تختلف رؤية كل من مصر والسعودية تجاهها.

وأغضب قرار وقف الشحنات البترولية السعودية المصريين، الذين إتجهوا توًا للبحث عن بديل وعدم إنتظار عودة العطف الملكي، الأمر الذي حدث بشكل سريع، لدرجة أنه إستدعى التفكير في أن الحكومة المصرية إعتمدت على النفط السعودي بشكل أكبر من اللازم، ولم تقدر متغيرات المستقبل.

ففي أكتوبر، زار وزير البترول المصري، طارق الملا بغداد، والتقى وزير النفط العراقي، كما عقد إجتماعات على مستوى أعلى مع رئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس الجمهورية فؤاد معصوم ورئيس البرلمان سليم الجبوري.

وخلال الزيارة، إتفق الملا على إستيراد خام البصرة النفطي وتكريره في مصر، التي تمتلك قدرات تكرير فائضة بحسب وزير البترول طارق الملا، الذي شرح كيفية إستفادة البلدين من بعضهما قائلا إن مصر تملك قدرات تكرير فائضة يمكن إستغلالها في تكرير خام البصرة لسد إحتياجات العراق من المشتقات النفطية، إضافة إلى الخام الذي ترغب مصر في شرائه وتحقيق التكامل بين البلدين بتشغيل المعامل المصرية وتوفير الطلب العراقي من المشتقات بدلًا من إستيرادها من السوق العالمية“.

ويبدو أنه سيجري تنفيذ أول شق في الإتفاقية فيما يخص بتوريد الخام إلى مصر، وسيأتي بعد ذلك تنفيذ تكرير الخام ورده للعراق، بالإضافة إلى تنفيذ مشروع خط أنبوب نفطي من العراق إلى مصر عبر ميناء العقبة في الأردن، بطول 490 كم، والذي من المتوقع البدء في تنفيذه منتصف العام الجاري.

وليس غريبا سرعة تنفيذ الإتفاقية بين مصر والعراق، إذ أن البلدين بينهما تعاون في مجال مكافحة الإرهاب، إذ يدعم الجيش المصري نظيره العراقي بأسلحة ومعلومات إستخباراتية، وعبر عن ذلك إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي دعم مصر للجيوش الوطنية في سوريا وليبيا والعراق.

هذا الدعم يقدره العراق جيدا، وبحسب تصريحات لسفيره في مصر حبيب الصدر، قال: “نحن نقدر عاليا وقفة مصر ومساندتها للعراق عربيا ودوليا ومساهمتها في الحرب ضد الإرهاب، وهذه المساهمة مقدرة ونتفهم إنشغالها في دحر الإرهاب فى سيناء وملاحقتها للخلايا الإرهابية، معربا عن تطلعه لرفع وتيرة هذا التعاون في المستقبل في شتى الميادين“.

الموقف من المملكة السعودية باعث أيضا على تنفيذ هذا الإتفاق، فدائما ما تُترجم السياسة في هيئة قرارات وإتفاقات إقتصادية، وبقراءة سريعة، نقول إن العراق التي لا يجمعها أي خير بالمملكة حاليا تود خدمة مصر التي تدعمها في حربها ضد الإرهاب، وفيما تدرك مصر جيدا وجهتها، تدرك العراق أيضا أن دعم مصر نفطيا سيشجع القاهرة على الوقوف في صف بغداد مستقبلا.

من هنا، تحظى الإتفاقية المصرية العراقية بأساس أقوى من اإفاقية القاهرة مع أرامكوالسعودية، إذ أن الإتفاق الجديد لا يعتمد على لغة المنحأو العطف، لكنه وثيق الصلة بمصالح البلدين وحربهما المشتركة.

وإجمالا، ستكون القاهرة ممتنة لبغداد، التي عوضتها عن أرامكوالسعودية، هذا من الناحية الاقتصادية، أما سياسيا، فإنه بالإمكان مستقبلا أن يحدث تحالف منطقي مبني على تفاهمات قومية وبراجماتية بين مصر والعراق، معتمدا على الحرب الحتمية ضد الإرهاب عند النيل والفرات، وما سيتبع الانتصار في هذه الحرب من نهضة للجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *