سعد الحريري

سعد الحريري والانقلاب على ولي العهد السعودي بن سلمان

تصدرت أزمة استقالة سعد الحريري وتطورات الأوضاع في المملكة العربية السعودية المشهد في الوسط السياسي الإقليمي، في المنطقة.

وفي هذا الصدد كتب الكاتب الصحفي أشرف الصباغ مقالًا جاء نصه كالتالي:

تعددت الروايات حول تقديم رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري استقالته من الرياض وليس من بيروت، وبين التصريحات الرسمية من مختلف الأطراف والشخصيات والتحليلات العربية والأجنبية، اتسعت دائرة الاتهامات والاصطفافات، واستعادة الماضي، ورفع سقف التوقعات ليس فقط إلى حرب طائفية جديدة في لبنان، بل وحرب ضروس بين إيران والسعودية.

في الحقيقة، لم تكن هناك الكثير من الحلقات المنطقية في غالبية التحليلات. وغاب الكثير من التفاصيل عن التصريحات الرسمية، الأمر الذي زاد الأمور تعقيدًا، وجنوحًا نحو الانقسامات والاصطفافات، وخلط الأوراق. ولم يتمكن أحد من الربط بين وضع سعد الحريري وعملية توقيف عدد كبير من رجال الأعمال والأثرياء والمسؤولين السابقين في المملكة العربية السعودية.

على الجانب الآخر، تدور رواية مغايرة تمامًا في الأروقة السياسية والدبلوماسية، قد تكون أقرب إلى واقع المنطقة وواقع الأحداث الجارية فيها، وقد تنضم إلى بقية الروايات المتناقضة.

الأحداث بدأت عندما طلب ولى العهد محمد بن سلمان من عدد من الأمراء الأثرياء ورجال الأعمال التبرع للدولة بمبالغ كبيرة، بسبب الظروف المالية والسياسية، التي تمر بها المملكة من جهة، ونظرًا لضخامة المشاريع والخطط الاقتصادية، التي أعلنت عنها الرياض مؤخرًا.

هذا الطلب أثار مخاوف الأثرياء ورجال الأعمال، واستفزهم لكونهم لم يتعودوا على مثل هذه الخطوات. ولذلك قرروا التخلص من ولى العهد تحت غطاءات سياسية. فبدأوا بالتواصل مع إيران للعمل على اتفاق يقضى بإزاحة الأمير محمد بن سلمان مقابل تقليص تقدمها في المنطقة، والتخفيف من لهجتها تجاه السعودية.

وكان من الصعب على أي من أطراف هذا المعسكر أن يتواصل مع الجانب الإيراني بشكل مباشر لأسباب كثيرة من ضمنها، المراقبة الشديدة لهم في الداخل السعودي ومن الخارج أيضًا. ولم يكن أمامهم غير رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري، فتواصلوا معه وأشركوا في تلك الخطة، على أن يكون دوره الأولى هو التواصل مع الإيرانيين من دون علم ولى العهد والملك.

وطلبوا منه جس نبض إيران بشأن إمكانية توقيع اتفاقية سلام بين الرياض وموسكو، في حال إزاحة ولى العهد بانقلاب أبيض.

واعتبرت هذه الأوساط السياسية والدبلوماسية أن الحريري كان جاهزًا لهذا الدور بسبب انزعاجه من الضغوط، التي يمارسها عليه ولى العهد بشكل عام، وفى ما يتعلق بضرورة مواجهة حزب الله في الداخل اللبناني.

وكان الحريري يواجه الكثير من الضغوط الأخرى المرتبطة بالأموال التي يحصل عليها من السعودية، والتي تدعم مواقفه في الداخل اللبناني.

هناك تساؤلات تدور حول الجهة أو الطرف، الذي رَشَّح الحريري لهذا الدور. إذ يرى البعض أن الحريري لديه استثمارات وممثلون في العديد من الدول. واستقروا على أن دولة كبرى كان لها يد في الترشيح، خاصة أن لديها علاقات جيدة معه، وبها استثمارات له، ولديها طموحات في لعب دور مهم وواسع في المنطقة.

غير أن الاستخبارات الأمريكية كانت تراقب الوضع على الجانب الآخر. وقامت بتسجيل تفاصيل اللقاءات والمكالمات والأحاديث، وعلى رأسها تفاصيل اجتماع الحريري مع الإيرانيين واشتراكه المؤكد في الصفقة المذكورة كلاعب أساسي وحلقة وصل.

وظهر دور صهر الرئيس الأمريكي جاري جوشنر، الذي يلعب دورًا مهمًا في سياسة الكواليس الأمريكية. إذ توجَّه كوشنر إلى الرياض على الفور، ومن دون موعد مسبق، والتقى ولى العهد، وأطلعه على ما يجرى.

هذا اللقاء الذي تحدثت عنه شبكة «CNN»، وأكدت أنه استمر لساعات طويلة. وفى اليوم التالي، تم اتخاذ القرار بتوقيف الأمراء المعنيين بالانقلاب ووقف دور سعد الحريري، الذي تم استدعاؤه على الفور، وفور وصوله جُرِّدَ من هواتفه، وأُفْرِغ مضمونُها. وتمت مواجهته بالدلائل القاطعة إلى أن اعترف بكل التفاصيل.

لم يكن الملك سلمان بن عبد العزيز مقتنعًا برواية الانقلاب أو اتصالات الحريري مع الإيرانيين. وكان يخشى من أن تكون الاستخبارات الأمريكية تعمل على توريط السعودية في ملفات إضافية. فطلب أن يستمع بنفسه إلى الحريري. وتم إرساله بالفعل إلى الملك ليعترف أمامه مرة أخرى بتفاصيل تورطه في خطة الانقلاب. وطلب الصفح من الملك، وناله بالفعل، مقابل أن يتوجه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، كخطوة أولى، ليروي نفس التفاصيل لقادتها، لكي يكون الأمر موثقًا لدى مرجعية أخرى من خارج الإطار السعودي. وتمت الزيارة بالفعل، وأخبر الحريري ولى عهد الإمارات بكل التفاصيل.

الدوائر السياسية والدبلوماسية التي ترجِّح هذه الرواية، ترى أن انكشاف المخطط أدى إلى غضب وارتباك شديدين لدى المحور الإيراني، الذي غطَّى ذلك باستنكاره لتوقيف الحريري، وإثارة العديد من «البالونات» لخلط الأوراق من أجل الابتعاد عن تفاصيل الرواية الحقيقية، وإبعاد نفسه عن أحداثها.

في ضوء هذه الرواية، لا يستبعد خبراء أن تكون هناك أطراف كبرى لها يد خفية في توريط الحريري مقابل تلميحات بوعود وضمانات. إضافة إلى أن هذه الأطراف لها مصالح كبرى مع إيران ونظام الأسد، وتحاول بشتى الطرق اختراق ليس فقط العلاقات الأمريكية – السعودية، بل وأيضًا منظومة العلاقات الداخلية في المملكة، طامحة على ما يبدو في «اللعب» بنفس الأدوات الأمريكية وبنفس الأسلوب.

أما مصير الأمراء والأثرياء ورجال الأعمال، فلا أحد يمكنه التنبؤ به. غير أن هناك تلميحات بإمكانية الإفراج عن بعضهم، وتوجيه اتهامات بسيطة إلى البعض الآخر، ورحيل البعض الثالث من المملكة أو هروبه بعد الإفراج عنه. لكن المسألة لا تكمن في ذلك بقدر ما تكمن في مصائرهم بعد الإفراج.

وفيما يتعلق بسعد الحريري، فإنه من المتوقع أن يتم استخدامه في ملفات سياسية معينة، إلى أن يتم العثور على بديل قادر على القيام بمهام جديدة خلال مرحلة تستلزم مواصفات خاصة.

الملفت في تلميحات المصادر، أنها تؤكد عدم إمكانية نشوب أي حرب في الداخل اللبناني على الرغم من ارتفاع مستوى الاحتقان الطائفي والسياسي، لأن زعماء الطوائف متورطون بأشكال ودرجات مختلفة في ملفات، يمكنها أن تفجِّر لبنان كله. وبالتالي، سيحرصون على عدم إيصال الأمور إلى الخطوط الحمراء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *